والله لم يكن فراقك هين

مَر عامٌ  ولم أراك، ولا أستطيع سماع صُوتِك. 

أراك في أحلامي من حين إلى آخر، لا أعلم إن كُنت بخير أم ماذا؟!

 لا يخبروني سوا أنك بخير، بخير وأي خير هذا الذي يجعلك بعيدًا عني كل تلك المدة؟

والآن أتيت لرؤيتك. 

قلبي يرتجف كلما قربت المسافة، ها أنا الآن سوف أراك من بعد عام،   لا ليس عام فقط، بل بقرابة العام، ولو تعلم بأن تلك الأيام مرت وكأنها  أعوام عدة، ولو تعلم بأن قلبي يحترق شوقًا فقط؛ لأراك و لأروي عيناي برؤيتك.

كم أتمنى أن تمر تلك الساعات كالثواني! 

كم أتمنى ولو لم تكن ساعات ولا حتى ثواني، فقط أغمض عيني وأفتحها فأراك هنا أمامي.

فها هي الساعة الثانية وقرابة الثلاثون دقيقة، فقط بضع ثواني. 

هناك أطفال كثيرون يملؤن المكان، وها هي أطرافي ترتجف وقلبي يخفق وكأنه لم يخفق من قبل، وكأن قلبي ولد في  تلك اللحظة، أشعر وكأن لو أحد ناداني سوف أنخرط في البكاء،  لا استطيع ان أسمع صوت أحد، ولا أريد أن يلمسني أحد، وفي تلك اللحظة صاح أحد الصبية ( أبي) يردد  (أبي)؛ فصاح كل الفتية وكل الفتيات مثلهُ (أبي)، وأخذ البكاء يظهر في عيناي، وأخذ قلبي يتألم من تلك الكلمة، وأريد أن أصيح مثلهم وأنادي بصوت عالٍ، ولكن أتدرك ياصغيري معنى للشوق حقـًا! أتدرك كم هو مُؤلم ذلك الفقدان لبعض الثوان، وأخذت دموعي تأخد مجراها لتسير على خدي ذات الشمال وذات اليمين ونفسي يضيق، وهنا أخذ النزلاء يأتون واحدًا يليه الآخر، وقد فقدت أنفاسي حقـًا

وتوقف العالم عند تلك اللحظة ، عند تلك الأعين التي تشبه وكأن أحد سكب عليها لونـًا من الطلاء الأحمر، واكتشفت أني أصغر من ذلك الطفل هناك ولكن بحجم أكبر، وأخذت أنا أصيح بل بصوت مرتفع حتى عن ذلك الصغير هناك (أبي) .

هناك مايعادل مئة وخمسون شخصـًا يطلقون صيحات من البكاء والحزن، ولكني لا أستطيع سوا رؤيتك أنت، أنت فقط والدي، كم أنا مشتاقة إليك، كم أنا تعيسة من دونك، كم  تحطم قلبي في كل  ليلة بدونك؟! 

كم هي لعينة تلك الأسلاك، أتمنى لو انشقت الأرض وبلعتها أو أحرقتها نيران شوقي إليك، فأرتمي بحضنك ولو لمرة واحدة،   وأخبرك: ماذا تعني لي؟   وأخبرك: كم أحبك! وأخبرك:  كم زاد المر من بعدك؟، كم كنت أتمنى لو استطيع  أن أرتمي في حضنك وأخذ بعضـًا من ذلك الحنين بين أضلعك، من بين تلك الجنة التي حرمت منها، كم هو مُر فراقك ولو للحظات عزيزي، ها أنت الآن أمامي بهيبتك السابقة، وبوجهك الذي لطالما اطمئن قلبي برؤيته، لم يتغير بك شيء سوا أنك نحلت بعض الشيء، ولكن مازلت تمتلك تلك الهيبة التي لطالما رأيتُك بها، لا استطيع فعل شيء سوا أن أراك وأبكي وكأنني في حلم ما، وليس أي حلم، إنه كابوس كم تمنيت أن يزول، هنا جاءت اللحظة المحببة لكل آمالي، حان موعد عودتي وأنا لا أمسك بيدك، حان موعد عودتي وأنا قلبي يتحطم أكثر من السابق، كنت أتخيل وكأنه حلم مزعج بعض الشيء، ولكنها الحقيقة المُرة.

مازلت أتابع خطواتك حتى اختفيت من أمامي، ولكني مازلت أتابع على أمل من أن يقول أحدهم لي: انتظري! والدكِ سوف يمسك بيدكِ في العودة، ولكني عُدت إلى ذلك الحلم المزعج من جديد.

والدي يا مرهم كل مُرٍ قد اشتقت إليك كثيرًا. وأنتظرك هنا فلا تزيد في البُعادِ بعد.


#تمت

#بقلمي/منة الغريب

#مبادرة_غسق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الكاتبة رنا حسام

الكاتبة مريم منصور

معركة القلب والعقل